الواجبات المدرسية عند التلميذ المغربي .. المنزل ثكنة والأم جنرال

الواجبات المدرسية عند التلميذ المغربي .. المنزل ثكنة والأم جنرال
جريدة التربية ::: الواجبات المدرسية عند التلميذ المغربي .. المنزل ثكنة والأم جنرال
جريدة التربية
الواجبات المدرسية عند التلميذ المغربي : المنزل ثكنة والأم جنرال ... جريدة التربية http://jarida-tarbiya.blogspot.com/
جريدة التربية .. الواجبات المدرسية عند التلميذ المغربي .. المنزل ثكنة والأم جنرال 
نشر في: هسبريس - جواد مبروكي/ طبيب ومحلل نفساني 
بتاريخ الاثنين 13 فبراير 2017 

كثيراً ما ألاحظ أن الطفل في مجتمعنا المغربي يخوض يومياً حروباً مع أمه بالخصوص (الأب غائب في عش المقهى) حول فروضه المنزلية؛ فبعد خروجه من سجن المدرسة التي عبأته ببرامج "أينْشْتايْنِيَّة" وأخضعته لأوامر عسكرية يجد نفسه داخل "ثكنة المنزل" و"الجنرال الأم" في انتظاره تصرخ: "يالله خودْ الغوتي دْيالكْ وْاَرى لِي نْشوفْ دفتر الواجبات"؛ وحينما تعاين لائحة الواجبات يتضح لها أن الحرب ستكون ساخنة.

ولما ينهي الطفل ساعة الراحة تحضر الأم: "يالله طْفي التلفزيون وْبْدي تْحْفظ"، فيشرع في التوسل إليها: "هِوَحْدْ شْوِيَّ نْكْمّْلْ الرسوم"، لكن "الجنرال" يرفض الطلب، ليشرع السجين الصغير في البكاء والأم تصرخ: "وْالله مَغَدِ تْنْعْسْ حتى تْكْمّْلْ كل الفروض".

هذه مأساة الطفل المغربي في جل أيام الأسبوع، وحينما يحل يوما السبت والأحد ليستريح يجد الجنرال وقد جهز له برنامج التعذيب المكثف: مراجعة دروس الأسبوع و"السّْوايْعْ"، وهي أبشع طريقة لتعذيب الطفل.

والأخطر من ذلك هو أن "عدوى الفروض المنزلية" تصيب الأطفال حتى في مراحل رياض الحضانة.. أشعر بألم عظيم لما أرى أقسام الروض تشبه "سجون المدرسة"، حيث يتلقى طفل في الخامسة من عمره تعذيب الجلوس على الطاولة، ويجب عليه الصمت والانتباه لقائدته المربية وهي تُروضه كما نروض الحيوانات! ..هذه طريقة بشعة مُعنِفة لنفسية الطفل، وتحوله من طفل إنساني إلى طفل آلي يكره المدرسة.

كما أن أساليب التعليم المدرسي وحروب الواجبات المنزلية تغرس في الطفل كراهية المعرفة. وهذا من أسباب ابتعاد المغربي عن ثقافة "الكتاب".. ترى الطفل (حتى الكبير) يصاب بأزمة قلبية إذا ما اُهديَّ له كتاب في عيد ميلاده مثلاً!

هذه الأساليب تقتل محبة الاكتشاف والمعرفة والتحليل لدى الأجيال الصاعدة، وهي من أسباب الانغلاق الفكري، كما أنها تجعل الطفل لا يرى سوى اتجاها واحدا (عملية الترويض)، وتُحضره للتعصب والتطرف وربما حتى الإرهاب؛ لأن جل الإرهابيين القياديين لهم مستوى دراسي عال جداً.

1- دور روض الحضانة: الرفع من معنويات الطفل وتعليمه كيف يعيش داخل المجموعة باحترام من خلال اللعب وتعلم ربط الحوار مع الأطفال ومع الكبار (المعلمة والمساعدة والمديرة....)، وتحضيره للدخول إلى عالم المدرسة بعد تجربة إيجابية، وتمكينه من اكتشاف قدراته الفنية والإبداعية عبر ممارسة الرسم والألعاب والغناء والموسيقى والتمثيل والرياضة، ما يتيح له فرصة اكتشاف كل العوالم المحيطة به. وبمعنى آخر كل برامج التعليم بالروض تتم من خلال "اللعب" فقط، لكي يرغب الطفل فيها وترسخ في ذهنه القواعد الأساسية لحياة المدرسة.

إن تقييد الطفل في الروض إلى طاولة العذاب ومحاولة تعليمه تركيب الجمل والقيام بالواجبات المنزلية هو تجاهل لحاجياته في هذا السن، بقدر ما هو تعذيب وإجرام في حق طفولته.

2- دور المدرسة: ليس تمكن الطفل من الحصول على 10/30 أو تحويل التلميذ إلى كومبيوتر نملأه بأقصى كم من المعلومات ونعذبه بالواجبات المنزلية؛ بل زرع حب المعرفة في وجدانه وتحفيزه على الانفتاح الفكري وخلق الفرص ليطور حاسة الملاحظة والتحليل والنقد لديه، وزرع بذور الثقة والإيمان بأن قدراته هائلة. وبهذا الشكل تنجح المدرسة في تحقيق هدفها الأسمى: "تكوين مواطن صالح له حس قوي لانتمائه إلى مجتمعه".

مع الأسف أرى أساليب التعليم بعيدة عن احتياجات الطفل، وتبقى مجرد طرق لـ"الترويض" الفكري والتعذيب، متجاهلة نفسية ومشاعر الطفل، بحيث يبقى الهدف الوحيد هو الحصول على أحسن النقاط وليس التحصيل المعرفي السليم.

3- دور المنزل: يتمثل في استقبال الطفل بعد يوم من الفراق مع أمه وطمأنته وتشجيعه على ما اكتشفه في روضه أو مدرسته من خلال الرعاية واللعب والتسلية، حتى يمتلئ بحنان أمه الذي افتقده خلال يومه المدرسي. وهكذا نزيد في متعة وحب الطفل لـروضه أو مدرسته، بحيث يستعد للذهاب إليها في الصباح وهو في غاية الاطمئنان؛ لأنه يعلم عند رجوعه إلى البيت سيجد أمه في انتظاره وليس "الجنرال الأم".. ومتعة هذا اللقاء ستحبب له بلا شك الروض والمدرسة.

للعلم فقط فإن كثيرا من الدول المتقدمة تمنع الواجبات المنزلية خلال مرحلة الروض والتعليم الابتدائي، وتمنع الامتحانات والنقاط والمقارنة.. كما أن الدروس تكون على شكل أبحاث تتم بكل مرح.

لقد حان الأوان لنعيد النظر في مختلف أساليب التعليم السائدة في مجتمعنا، ومعرفة دقيقة لشخصية الطفل واحتياجاته. كما أن على الآباء أن يختاروا رياض الحضانة التي لا تستعمل برامج "التعذيب" وينسجوا علاقة المتعة مع أطفالهم ويزرعوا فيهم حب المعرفة.

لنحرر جميعاً مدارسنا وبيوتنا من حروب الفروض المنزلية والأساليب القمعية.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره. - جريدة التربية .

إرسال تعليق

0 تعليقات