عبد الصمد الزاهيدي
السبت 11 فبراير 2017
وعيا منا بجدلية الواقع والفكر، نفترض أن الفكر هو محدد للواقع وأن واقعنا المزري، نتيجة لعدة أسباب أبرزها الكيفية التي نفكر بها ومن خلالها نضع التشخيصات والتحاليل وعلى إثرها نشكل قرارات وحلول. والأدهى من كل هذا أننا نعترف دوما بفشل قراراتنا ومقارباتنا الإصلاحية تلك التي لا تجد مستقرا لها على الواقع وبالتالي تبدو مواضيعنا شديدة التعقيد وصعبة التحقيق الميداني. أليس الاختلال المبدئي الذي يجدر الانتباه إليه يكمن في الفكر؟ أليست طرق تفكيرنا هي العائق في تدبير الأزمات التي نتخبط فيها؟
كل المقاربات العلمية للظاهرة الإنسانية تجعل الشق النظري أولى أولوياتها، لتتمكن من الإنزال الميداني السليم على أرض الواقع، لكن التنظير سبقه تنوير فكري في جل المجتمعات الراقية، وهنا مربط الفرس بالنسبة لمنظومة التربية والتكوين الوطني التي أرهقت بإصلاحات جوفاء تتكلل بفشل منذ الوهلة الأولى من صياغتها، لا لشيء إلا لكوننا لانعرف من نحن؟ وماذا نريد ؟
سؤالي الهوية وفلسفة التربية، لا يجدا مستقرا لهما التحليلي إلا في معترك الفكر الفلسفي وعلوم التربية التي تجعل من الظاهرة التربوية والتعليمية، عينة داخل مجتمع ونبتة تنمو وتترعرع على أرض توفر لها شروط وجودها وتتحدد من خلال الظاهرة الإنسانية في أبعادها الذاتية والعلائقية والزمانية. نحن شعب مغربي، متعدد المكونات والثقافات، ندين بالإسلام لنا مقومات وموارد اقتصادية متميزة، درجة وعينا تتراوح بين العدمية والضعف برصيد معرفي متواضع نسعى لكرامة العيش، ونناضل من أجل عدالة اجتماعية وتقسيم عادل للثروات، في زمان أصبحت المعلوميات فيه تمتزج بالتنفس والعالم أضحى غرفة صغيرة. كل هذه الاعتبارات وأخرى تجعلنا نراجع تصوراتنا للذات ويتضح بجلاء مدى ابتعادنا عن نقطة البداية. وضعية الانطلاق تقتضي عدالة، حيت المساواة في الواجبات والحقوق، وتكافؤ الفرص بين عموم المواطنين، والتربية التي لا تتأسس على عدل مجتمعي ينبثق عنه عدل تربوي لا ننتظر منه نتائج. كم هي الإصلاحات العرجاء التي تبناها النظام التعليمي وباءت في النهاية بالفشل ؟ لكونها لا تنشد دمقرطة القطاع بكل ما للكلمة من معنى. والدمقرطة تتجلى باﻷساس، في إخضاع المنظومة المجتمعية لمبادئ العدل الإنساني وشروط وجوده وآليات تصريفه بين المواطنين، لحظتها يمكن التفكير في إصلاح قطاع التعليم.
العدل التربوي يقتضي تكافؤ الفرص في المؤسسات التعليمية والمساواة في البرامج والمناهج، كما يقتضي التكوين الجيد للأساتذة والقائمين على القطاع وتحسين ظروفهم وشروط عملهم وربط مسؤوليتهم بالمحاسبة. فلا ديمقراطية تعليمية بدون عدل تربوي منبثق من عدالة اجتماعية مستمدة من مبدأ “العدل أساس الحكم”.
جريدة التربية
0 تعليقات