جريدة التربية .. مواجهة التلاميذ بالعصا في المدرسة المغربية .. تعنيف أم تهذيب؟ |
نشر في: هسبريس - ميمون أم العيد
بتاريخ السبت 25 فبراير 2017
لا يزال عددٌ كبيرٌ من الآباء وأولياء التلاميذ يرددون عبارة "مشات القراية مع العصا"، وبعض الناس يلقون باللوم على الأساتذة والمعلمين الذين ما عادوا يستعملون الضّرب لفرض الاحترام داخل الفصول الدراسية.
وإذا كانت فئة من الآباء وأولياء أمور التلاميذ والتلميذات تقيم الدنيا ولا تقعدها إذا ما تعرض أحد أبنائها أو إحدى بناتها للتعنيف داخل الفصل الدراسي أو في محيطه، فإن هناك من أولياء الأمور في السلكين الابتدائي والإعدادي من يطلب من الأستاذ والطاقم التربوي أن لا يتردد في استعمال الضرب في حق ابنه إذا لم ينجز واجباته أو أتى سلوكا يستوجب العقاب.
وبالرغم من أن المذكرات الوزارية تأمر المربين والمدرسين بعدم تعنيف التلاميذ، فإن "العصا" لا تزال في الكثير من المدارس أهم وسيلة للردع والتأديب، بدليل ما يطفو في وسائل الإعلام من قضايا يكون فيها التعنيف شديدا، وإن بنية حسنة، خاصة إذا أفضى إلى جروح أو عاهات.
ولعل حادثة وفاة الطفلة هبة، وإصرار عائلتها على اتهام مُدرستها بتعنيفها والتسبب في وفاتها، نموذج على أن الضرب والصفع لا يزال إحدى طرق التأديب التي يعتمدها الأساتذة والمعلمون لضبط التلاميذ وإرغامهم على إنجاز تمارينهم، وإجبارهم على احترامهم واحترام زملائهم.
التنظير والواقع
يقر جواد حنافي، الباحث في شؤون المدرسة المغربية والممارس لمهنة التدريس، بأن موضوع تأديب التلاميذ في المدارس المغربية "موضوعٌ إشكالي حقًا، يختلط فيه التربوي بالحقوقي بالإنساني؛ لأن المتعلم اليوم من طينة خاصة يختلف عن نموذج المُتعلم القديم، الذي يتمثله ويُمثله جيل السبعينيات. ليس لأنَّ التلميذ يرفض المدرسة فحسب، بل لأنه يسعى جادًا إلى التمرد عليها كلما أتيحت الفرصة. واقعٌ لا ينبغي تجاهله".
وزاد حنافي، في تصريحه لهسبريس الإلكترونية، بالقول إن "إهمالَ الأسرِ يعسّر المهمةَ التربوية أمامَ المدرس والمدرسة؛ فكثيرًا ما نقرأُ ونسمعُ أشخاصًا يُنظّرُونَ في التدريس بالحب، ولكن لم يعرض أحدهم تجاربه أمام مِحك واقع المدرسة المغربية، وهو ما يجعل كلامهم ونظرياتهم ضربا من الطوباوية".
ويستدرك المتحدث شارحا موقفه من الضرب أنه "لا ينبغي أن يفهم من هذا أنّي أدعو إلى الضرب التربوي أو العقاب المادي في فضاء المدرسة؛ ولكنني أحاولُ أن أرصد الإشكالات التي تواجه بعض المدرسين والمدرسات".
ويتساءل حنافي: "كيف ينبغي أن يُقنن التأديب بالضرب، حتى لا ينزلق عن مسارهِ التربوي؟ وماذا عن الآباء وأولياء الأمور الذي يقبلونَ أن يُؤدب أبناؤهم بالضرب؟، ثم يضيف: "من السهلِ أن أقول التأديب التربوي بالضرب مرفوضٌ وتشمئزُّ منه النفوس وطبيعة البشرِ؛ ولكن ما هي الحلولُ التي سأقدم لمدرسة أو مُدرس استنفد جميع حلوله؟ فمن السهلِ أن أقول إن المدرسينَ في حاجة إلى تكوين يجعلهم مؤهلين للتربية بعيدا عن العنف التربوي، ولكن ما جدوى هذا التكوين في صلته بواقع المدرسة المغربية؟!".
ثم يخلص حنافي إلى أنه "إذا عاقب مدرسٌ متعلمًا هبَّتْ كل الدنيا هبة رجل واحد تسبُّ وتشتم وتُنَظِّرُ، وكأننا أمام مُجرم، وقد أسهم هؤلاء في التضييق على المدرسين الجادين".
بدائل عن العنف
من جهته، نبّه مبارك بوعلي، المفتش التربوي بمديرية ورزازات، إلى أن المذكرات الوزارية تشير إلى "بدائل بخصوص التأديب؛ كتنظيف المؤسسة ومرافقها، وإنجاز أشغال البستنة، وترتيب الكتب والمراجع، والمساعدة على تقديم خدمات المطاعم والداخليات وغير ذلك. لكن في غياب الشروط التربوية الملائمة قد تؤدي هذه البدائل إلى نتائج عكسية".
بوعلي، الذي يدرس بسلك الدكتوراه بكلية علوم التربية، أكد أنه "لجعل التأديب تربويا ومنسجما مع مجتمع جيل المتعلمين الحالي ومبادئ حقوق الأفراد، يجب أن يؤطّر بمجموعة من المبادئ أهمها إرساء عقد بيداغوجي متكافئ بين المربي وبين المتعلمين، حيث القوانين الداخلية للمؤسسات غالبا ما يكون فيها التلميذ ملزما بالخضوع لأوامر المدرس، دون أن تلزم المدرس في الوقت نفسه على عدم إلزام التلميذ إلا بما يخدم مصلحته، كما لا تلزمه على المحاسبة والمساءلة. ومن ثم، تكون القوانين الداخلية كعقود إذعان لا تتيح التفاوض وإشراك المتعلمين في صياغة بنودها".
ويؤكد المفتش التربوي بمديرية ورزازات، في حديثه لهسبريس، أن "التأديب ليس سلطة في يد الأستاذ أو مجلس القسم؛ بل هو واجب حينما يتم انتهاك قاعدة أو شرط للحياة الاجتماعية المشتركة. كما أنه ليس عنفا بل هو نتيجة قانونية لسلوك غير قانوني"، مستدركا بالقول إن "العقوبة التأديبية يجب أن تكون معللة ومفهومة، ومرتبطة بفعل أي خرق مؤقت لقانون، وليس بشخص. فالذي يجعل التأديب غير مجد هو إحساس المتعلم بالظلم".
ويصر بوعلي على أن المدَرّس "مُلزم بالحزم دون العنف واللطف دون التساهل، وباستعمال لغة الإقناع والحوار عوض لغة الأمر والنهي، وبمحاولة فهم الدوافع الحقيقة للسلوك الملاحظ والرسالة الضمنية للسلوك"، وأن تكون للمدرس "قابلية نفسية للتعامل مع السلوكيات المختلفة للمتعلمين وضرورة تشجيع المتعلمين، والابتعاد عن أسلوب التذمر والنقد المستمر لهم".
للأباء رأي
أحمد س، أبّ لتلميذ بأكادير، قال إنه لا يبدي اعتراضا على أن يضرب الأساتذة ابنه، "بعض الضرب غير المؤذي؛ لأن الأستاذ لا يعنف تلامذته إلا لمصلحتهم، وأنه عندما كان تلميذا كان والده يقول للمعلمين بأنه ابنكم افعلوا به ما تشاؤون".
ويضيف الأب لفتى يدرس بالسابعة اعدادي، في حديثه لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الآباء من جيله كانوا إذا التقوا أستاذا أو معلما، كانوا يقولون له "نتا هرسو وأنا ندير ليه الجبيرة"، في إشارة واضحة إلى أن الآباء كانوا يثقون في الأساتذة ولا يشوشون على عملهم مثل ما يحدث الآن".
وفي المقابل، يرى المواطن أشحايفي. ع، الذي يدرس أبناؤه في مدرسة خصوصي، أن "الضرب لا يُجدي نفعا؛ فالجيل الحالي مختلف، حيث إن المعلم والأستاذ لا يُحْترم كما في السابق الذي يحظى بهيبة كبيرة، خصوصا أن المدرسة العمومية كانت سائدة وكانت مدرسة الشعب. المشكل حاليا هو أن المدرسة العمومية تراجعت كثيرا والمدرسة الخصوصية أصبحت مكانا يشتغل فيه المعلم لدى مالك المدرسة وأولياء التلاميذ".
ويضيف ابن مدينة أكادير، في حديثه لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "المشكل الآخر هو تنازل الآباء والأمهات عن أدوارهم في تربية الأبناء، وخصوصا تربيتهم على ضرورة احترام الأستاذ. ومن ثمّ، فعلى رجل التعليم الحالي أن يتعامل مع هذه المعطيات الجديدة، وأن يفرض شخصيته، وأن يتعامل بذكاء مع التلاميذ وأوليائهم".
انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره. - جريدة التربية .
0 تعليقات