صعوبات التدريس بالعالم القروي

صعوبات التدريس بالعالم القروي
جريدة التربية ::: صعوبات التدريس بالعالم القروي
جريدة التربية
صعوبات التدريس بالعالم القروي 
نشر في: الاتحاد الاشتراكي - ذ. توفيق الراوي / المديرية الإقليمية ورزازات 
بتاريخ الأربعاء 01 فبراير 2017 

التعليم حق إلزامي لجميع أطفال العالم بدون استثناء وبالمجان، لكن تفاوت فرص كل متعلم حسب الدولة التي ينتمي إليها، وحسب المنطقة الجغرافيا التي يقطن فيها، حيث يختلف نمط التدريس بالمجال الحضري أو الشبه حضري، ونظيره بالمجال القروي، حيث قساوة المناخ وبنية تحتية جد مهترئة، وبعد الوحدات المدرسية، وغياب الشروط الأدنى للاشتغال. لست هنا بصدد البكاء على الاطلال، أو التهرب من الواقع المرير الذي يعيشه كل أستاذة وأستاذ في العالم القروي، لكن من الضروري الوقوف على نقط مهمة من أجل مدرسة مغربية وطنية، ومجانا لجميع الشعب المغربي، سواء في أحد الأحياء الشعبية بالمدينة الاقتصادية، أو بأحد مدارس المغرب العميق.

هل سبق لأحد منا أن تساءل عن سبب تدني التحصيل الدراسي في العالم القروي؟ أكيد سنجد أن العديد يطرح هذا السؤال، لكن هل جرب أحد منا أن يجيب بعمق، وبدون استنتاجات متسرعة، وبعيدا عن إلقاء اللوم على طرف واحد. للأسف نجيب عن التساؤل الأول بأحكام مسبقة، أو إجابات جاهزة، أو نغرق في التشخيص،وننسى الحلول من أجل تحسين الوضعية، وتحسين المستوى الدراسي والتحصيل الدراسي للمتعلمين بالعالم القروي.

بعد خمس سنوات من التدريس بالعالم القروي، خبرت تقريبا تدريس جميع المستويات بدون استثناء، باللغتين العربية والفرنسية، ولو أن المدة هي غير كافية بالبث للحكم والتجربة، لكنها تعكس نوعا ما عدم الاستقرار الذي يعيشه الأستاذ في أدغال العالم القروي. لكن ما اثار انتباهي هو تدني التحصيل الدراسي، وهذا ما يجعل الأستاذ يبذل مجهودا مضاعفا، لكن أحيانا بدون جدوى، حيث سيادة الأقسام المشتركة والمركبة،فمكمن الخطأ لا يكمن فقط في جغرافيا المدرسة، فالأمر يتعداه إلى سوسيولوجيا المدرسة، حيث يتداخل ماهو تربوي، بما هو اجتماعي، و اقتصادي، و سياسي، و مجالي.

علينا الاعتراف جميعا أن تعثر الأستاذ في رفع مستوى التحصيل الدراسي للمتعلمين راجع إلى المناهج المتبعة والمقررات الدراسية الحالية خصوصا في العالم القروي التي لا تتماشى مع خصوصيات كل منطقة، فكثرة المقررات في واقع يعجز فيه العديد من المتعلمين عن القراءة والكتابة، ويكتفون بما يتلقونه في المدرسة، فالواجبات المنزلية لا تنجز، وحتى إن تم ذلك يتم إعادة كتابة الأسئلة فقط وأكيد أننا لا نعمم هنا. وإننا هنا لا نلوم المتعلمين ولا عائلاتهم، فالمستوى الدراسي للآباء لا يراوح الابتدائي في أحسن الحالات.
فعلى المستوى الاجتماعي، يكون الإنسان القروي تمثلات اجتماعية عن المدرسة، من بين هذه التمثلات التي توسع الهوة بين الساكنة والمدرسة بجميع مكوناتها، «المسجد لله والمدرسة للشيطان» هذا ما يفسر لنا تقريبا المجال الذي توطن فيها المدرسة بعيدا عن الدوار، مما يؤدي إلى قطع مسافة مهمة للوصول للمدرسة وفي حالة إرهاق شديد، يحول دون تركيز التلاميذ، حيث يحملون على طول المسافة كليوغرامات فوق ظهورهم. فكيف لهذا التلميذ الذي يحمل فوق ظهره وزنا ثقيلا، ويمشي بردا وحرا مسافة مهمة، ويسمع أسرته تتحدث بسلبية عن المدرسة كيف له أن يحصل جيدا؟ فهنا من يهدد أحيانا بغلق المدرسة، ويفضل أن يشتغل الأطفال في الحقول والرعي عوض التوجه إلى المدرسة.

أما على المستوى الاقتصادي، فالمستوى المعيشي للأسر متدن، إضافة إلى انتشار ثقافة الريع، حيث لا يتم اقتناء الأدوات اللازمة للاشتغال، فعلا يتسلم كل متعلم أدوات وكتب ودفاتر في بداية السنة، لكن بمجرد أن يجف القلم، لن يقدم على شراء أخر، فينتظر متى يحصل على قلم أخر بالمجان، إضافة إلى أن المستوى الاقتصادي متحكم بشكل كبير، إذ يغادر بعض التلاميذ القسم من أجل العمل، والإناث لهن نصيب الأسد في الهدر المدرسي.

مجال الابداع والابتكار في العالم القروي منعد، فالتجارب بخصوص مكون النشاط العلمي يتم شرحها نظريا فقط، فغياب الوسائل التعليمية وشروط المناولة البسيطة والتجربة يحول دون الابداع والابتكار، وأحيانا تؤدي هذه المناولة إلى نتائج عكسية في غياب الشروط الموضوعية للاشتغال. كيف لنا أن ننمي القدرة على طرح التساؤلات واستكشاف التجارب. فأرضية المدرسة لا يشجع على الابتكار. ببساطة إننا لا نعزز قدرة المتعلم على التفكير.

هذا فقط غيض من فيض بخصوص صعوبات التدريس بالعالم القروي، والجدير بالذكر أن المشتغلين في هذا المجال لهم تجربة غنية، حيث تتلاشى الحدود بين التخصصات، إذ عليهم الالمام بمجموعة من الأمور العملية واليومية، وعليهم أن يكونوا متأهبين طيلة تواجدهم بالدوار، لأن مهمته لا تنتهي بمجرد انتهاء الحصة الدراسية.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.

إرسال تعليق

0 تعليقات