جريدة التربية .. المدارس الجماعاتية.. هل تُصلح ما أفسدته كثرة الوحدات المدرسية؟ |
جريدة التربية
الجمعة 03 مارس 2017
إن المشروع الجديد لإصلاح التعليم التي تبنته وزارة التربية الوطنية ومعها كافة الشركاء والفرقاء الاجتماعيين يهدف بالخصوص إلى إحداث نوع من التغيير داخل المدرسة المغربية لكل مواطني الغد تعليما وتكوينا ذي جودة، يرتكز على القيم والمبادئ العليا للوطن، بالإضافة إلى معالجة الاختلالات التي تعاني منها منظومة التربية والتكوين، انطلاقا من منظور استراتيجي يصل إلى غاية سنة 2030، يطمح إلى تأهيل أجيال اليوم للاستعداد للمستقبل، والمساهمة الفاعلة في بناء الرأسمال البشري الذي تحتاج إليه البلاد، وكذا الانفتاح على المبادئ الكونية.
هذه الرؤية المستقبلية للاصلاح التي تقوم على تسع محاور ذات أولوية، وتهم بالأساس التمكن من التعلمات الأساسية واللغات الأجنبية، وتثمين التكوين المهني ودمجه في التعليم العام ، وتعزيز الكفاءات والتفتح الذاتي، وتحسين العرض المدرسي، والتأطير التربوي، وتعزيز الحكامة، وتحقيق الاندماج بين التربية الوطنية والتكوين المهني، وتخليق المدرسة الوطنية، وتعزيز تنافسية المقاولة في مجال التكوين المهني، مع ضرورة الحفاظ على المكتسبات التي راكمها قطاع التعليم طيلة سنوات، وفي مقدمتها تعميم التمدرس ومحاربة ظاهرة الهدر المدرسي، مع العمل على الارتقاء بجودة التعليم خاصة في المجالات المرتبطة بالنموذج البيداغوجي المعتمد في منظومة التعليم، لاسيما ما يتعلق بالتعلم الأساسي، والتحكم في اللغات والإعداد للاندماج في الحياة المهنية، ونظام التقييم ونظام الإشهاد، مشيرا إلى أن المدرسة المغربية ما تزال متأخرة عن محيطها.
فإلى أي حد يمكن لهذا المشروع أن يستجيب لتطلعات فئات عريضة من المجتمع خاصة بالعالم القروي الذي يعرف خصوصيات مختلفة كالتي عليها بالعالم الحضري؟؟ حيث وعورة المسالك وكثرة الوحدات المدرسية وغياب ظروف الاشتغال اللائقة بأسرة التعليم ومعها تلامذة المدارس الذين يعانون بدورهم من ضعف النقل المدرسي والاطعام وغيرها.
حجرات مدرسية نائية استعملت كورقة انتخابية
إن كثرة الوحدات المدرسية المنتشرة هنا وهناك، وغياب أبسط شروط العمل...من ضعف للبنية التحتية، وعورة المسالك، مشاكل عدة جعلت من رجل التعليم عبارة عن قطعة شطرنج تحركها الجهات المعنية في اتجاهات متعددة ومختلفة دون مراعاة لظروفه الإجتماعية والأسرية والإقتصادية، وحدات مدرسية استعملت كورقة انتخابية في يد بعض المستشارين الجماعيين حرصا منهم على إنشاء فرعية-وحدة مدرسية- بمناطق نفوذهم ودوائرهم الإنتخابية دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن حلول ناجعة والإنخراط الجدي في عملية الإصلاح عبر ابرام اتفاقيات شراكة لتوفير الشروط الضرورية لإنجاح العملية التعليمية لتقليص نسبة الهدر المدرسي وظاهرة الأقسام المشتركة.هل تصلح المدارس الجماعاتية ما أفسده الدهر؟
فبعد أن أثبتت تجربة توزيع الوحدات المدرسية بنوع من العشوائية بمختلف المناطق القروية دون مراعاة لظروف العاملين بها ومعها الناشئة، (بعد أن أثبتت) فشلها في ايقاف نزيف الهدر المدرسي، عمدت الوزارة الوصية على ايجاد صيغة أخرى للخروج من هذه الورطة، لتنكب على دراسة مشاريع تروم تقليص نسبته بالعالم القروي، فتم الإتفاق على إحداث المدارس الجماعاتية كخطوة لتحسين جودة التعلمات، والرفع من المردودية الداخلية للمنظومة التربوية، والتخفيف من حدة الاقسام المشتركة، وترشيد نفقات العرض المدرسي مع انخفاض عدد الاقسام المشتركة، و تقلص غياب التلاميذ، وتحسن مستوى تعلماتهم، واستفادتهم من تغذية وإيواء مناسبين، وترشيد الموارد البشرية، ولإنجاح هذه التجربة لابد من انشاء دار لاستقبال التلاميذ، وتوفير النقل المدرسي وغيرها.تجربتان رائدتان بسطات وابن سليمان فهل سيتم تعميمهما لتشملان باقي تراب المملكة؟
خلال التقسيم السابق للجهات، إبان تدبير القطاع جهويا هنا بمدينة سطات من قبل الأكاديمية الجهوية للتربية التكوين بالشاوية ورديغة(سابقا) انكب العاملون على القطاع آنذاك على عقد سلسلة اجتماعات ماراطونية مسترشدين بالتجارب الناجحة في هذا المضمار ببعض الجهات، حيث عملوا على افتتاح مدرستين جماعاتيتين: المدرسة الجماعاتية اولاد فريحة جماعة اولاد افريحة بالمديرية الاقليمية للتعليم بسطات، و المدرسة الجماعاتية ابن طفيل جماعة سيدي بطاش التابعة للمديرية الاقليمية للتعليم بنسليمان.وهما التجربتان اللتان أبانتا حسب متتبعين للشأن التعليمي، عن نجاعة في التدبير وتجسيد المقاربة التشاركية من خلال انفتاحهما على محيطهما الاجتماعي وحث كافة الشركاء والفاعلين على الانخراط الجدي بغية تجويد التعلمات.
ويرى محللون للوضع التعليمي، أن هذه التجربة الجماعاتية تتطلب متابعة لصيقة من قبل الجهات الوصية على القطاع بغية تنزيل المشروع تنزيلا على أرض الواقع بالاعتماد على المقاربة التشاركية بين كافة المهتمين بالشأن التربوي، والانكباب على دراسة الكلفة المالية وتحديد المتدخلين، والمدة الزمنية للانجاز، وسبل تدبير القسم الداخلي، والآليات التي من شانها تقويم وتتبع المشروع، داعين إلى اتخاد كافة التدابير والاجراءات التي من شأنها أن تحقق النتائج المتوخاة من وراء هذه التجربة ؛ مع عقد لقاءات تشاورية مع كل المهتمين بالمدارس الجماعاتية على جميع المستويات الاقليمية والمحلية، لإيجاد صيغ مثلى لتدبير وتسيير المدرستين الجماعيتين.
هذا رأي المديرة الاقليمية للتعليم بابن سليمان في التجربة
لاغناء النقاش حول هذا الموضوع، ربطت "هبة بريس" اتصالا هاتفيا بالمديرة الاقليمية للتعليم بابن سليمان "فاطمة القرش"، أكدت على أن تجربة المدارس الجماعاتية تبقى تجربة رائدة في تدبير الشأن التعليمي، حيث ساهمت في الرفع من نسبة التمدرس في صفوف الفتيات ووقفت سدا منيعا في وجه الهدر المدرسي، لاسيما وان هذه المؤسسات تضمن بنية تحتية جد هامة أعادت للمدرسة المغربية هيبتها، وجعلت منها فضاء مفعما بالحياة.وأكدت المسؤولة الاقليمية على تجربة المدرسة الجماعاتية ابن طفيل بجماعة سيدي بطاش التابعة للمديرية الاقليمية للتعليم بنسليمان، تعتبر رائدة في هذا المجال، حيث تستقبل التلاميذ بدءا من التعليم الأولي مع ضمان التغذية والتعلم الجيدين، وضمنت بشكل مباشر الاستقرار النفسي والاجتماعي للأطر العاملة بها وحافظت على احترام الزمن المدرسي، مناشدة كافة الشركاء والفرقاء الاجتماعيين دعم هذه التجربة وتطويرها وتوفير النقل المدرسي والقسم الداخلي.
محمد منفلوطي
0 تعليقات