إصلاح التعليم إصلاح مجتمع.. فمن أين نبدأ.. ؟

إصلاح التعليم إصلاح مجتمع.. فمن أين نبدأ.. ؟
جريدة التربية ::: إصلاح التعليم إصلاح مجتمع.. فمن أين نبدأ.. ؟
جريدة التربية
إصلاح التعليم إصلاح مجتمع.. فمن أين نبدأ.. ؟ ::: جريدة التربية jarida-tarbiya.blogspot.com
جريدة التربية ::: إصلاح التعليم إصلاح مجتمع.. فمن أين نبدأ.. ؟ 

منذ سنوات طوال ورغم المطالبات المتكررة والأصوات المتنادية بضرورة إصلاح التعليم وتحسين المستوى المعيشي للمعلمين وإعادة النظر في مجمل السياسات التعليمية، إلا أن وزارة التربية والتعليم لم تحاول أن تقدم مشروعا إصلاحيا للتعليم من شأنه أن يحد من حالة التردي والانهيار التي طغت على المشهد التعليمي بكافة عناصره فقد باتت الأمور بالغة التعقيد بفعل التراكم وإرجاء الإصلاحات ، فمنذ سنوات لا يمر يوم إلا ونقرأ في الصحف اليومية شيئا عن معاناة المعلم أو شيئا عن الإشكاليات التربوية أوقضايا الجمود في المناهج وصعوبتها وكل هذه القضايا والإشكاليات المتعلقة بسياسات وزارة التربية وإصلاح التعليم والتي يقدمها الأعلام بوسائله المتعددة من أجل أن يكون هناك حراك حقيقي وتوجه صادق للاهتمام بتلك القضايا الخطيرة إلا أننا وللأسف لم نلحظ أو نسمع أي توجه حقيقي نحو الإصلاح والتغيير وإعادة البناء والتطوير والانفتاح وخصوصا على فئات المعلمين ، الأمر الذي تسبب في خلق حالة من الترهل والتراجع في القطاع التعليمي إضافة إلى إحداث فجوة كبيرة بين القاعدة وهي المعلمين وبين الهرم وهو كبار موظفي الوزارة كما رسخت هذه الحالة القناعات الأكيدة بصعوبة إصلاح وتطوير التعليم في ظل الثبات والجمود البيروقراطي التربوي واحتكار فئة صغيرة للامتيازات والمنافع وجمود المنهج التعليمي وعدم مواكبته التغيرات العالمية والتطور العلمي والثقافي العالمي..

وهذه الحالة المترهلة في المناهج وأوضاع المعلمين والبيئة التعليمية المفتقرة للإمكانيات والموارد والتقنيات والسلامة العامة إضافة إلى التعقيد البيروقراطي في سير معاملات المعلمين والهدر المالي في جوانب لا تصب في مصلحة التعليم وتفشي الواسطة والمحسوبية، قد اثر سلبا وبشكل كبير على مخرجات التعليم وعلى المستوى الأكاديمي لأبنائنا الطلبة وبالتالي جاءت نتاجات هذه العملية سيئة للغاية ، ويبدو أن التوجه نحو تفكيك القطاع العام وحمى الخصخصة قد أعطى المبررات لإهمال قطاع التعليم وتكسير مواطن قوته ليحل محله فيما بعد القطاع الخاص الذي سيتولى هذه المهمة .

الجميع يعلم بأن الأوضاع المعيشية للمعلمين تزداد سوءا يوما بعد يوم بسبب انخفاض الرواتب وارتفاع الأسعار والتضخم وصعوبة تدبير الأمور المعيشية وهذا بالطبع أدى إلى خلق حالة من التراجع الأكاديمي والاجتماعي والنفسي لدى المعلم وجعل منه صورة متجسدة من المعاناة والمأساة والضياع، ففي ظروف قاسية كالتي يعيشها المعلم لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون هناك مشروع تعليمي ناجح ولا يمكن أن يكون هيبة للتعليم في ظل إهانة المعلم وتراجع هيبته واحترامه، فالعملية التعليمية التعلمية لها عناصر أساسية عديدة منها الطالب والمعلم والمنهج والبيئة التعليمية ، فإذا ما اختل عنصر واحد ستختل باقي العناصر .

فالمعلم الذي تحول إلى حراث ليس له هيبة ولا مكانة ولا احترام ، اجتماعيا أصبح المعلم أضحوكة لدى الجميع وأصبحت وظيفة المعلم كفيلة بأن يرفض المجتمع تزويجه ، فلا القانون التربوي ينصف المعلم ولا الطالب ينصف المعلم ولا الوزارة تنصف المعلم وإذا ما عدنا إلى ما قبل عشرين عاما لوجدنا بان الوضع الاجتماعي للمعلم كان أفضل حالا مما هو عليه الآن إذ جعله آنذاك من المؤثرين في المجتمع ومن القياديين ومن حملة القيم والأخلاق فالمعلم قديما له الاحترام والتقدير والهيبة الاجتماعية فهو عضو محترم ومؤثر في آن واحد ، ثم نأتي إلى مستوى المعيشة الذي يحدده راتب المعلم وهو الراتب المنخفض الذي لا يكفيه لأسبوع ثم يبادر بعد نفاذ دخله إلى الاستدانة والاقتراض أو التدريس الخصوصي أو ربما يلجأ إلى أن يكون تحت رحمة بعض الطلبة الأثرياء ويعود السبب في تدني مستوى المعيشة للمعلم إلى عدم جدية وزارة التعليم في تحسين أوضاع المعلم المعيشية فالامتيازات والأعطيات والدورات المساندة تقدم لكبار الموظفين في الوزارة فقط من الذين يحتكرون الوظائف والبعثات والمنح والمياومات دون أن يلتفتوا إلى أدنى السلم الهرمي .

لذا يبقى المعلم مهما بلغت خدمته منخفض الدخل فقيرا يبحث عن عمل آخر بعد الدوام فلا حاجة له أن يتزود بالمعرفة ويطور تفكيره وأداءه ومعارفه بقدر ما يبحث عن توفير لقمة العيش لأطفاله وكثيرا ما رأينا معلمين يبيعون في بقالة أو يعملون على تاكسي الأجرة أو في المهن الخفيفة بعد انتهاء الدوام الرسمي ، وما أن يصل المعلم إلى سن الشيخوخة حتى يفقد الأمل في حياة كريمة وبيت محترم يؤويه .
وإذا ما تطلعنا إلى عنصر آخر مهم وهو المنهج التربوي لوجدنا بان المناهج التربوية أصبحت في حالة من الجمود والتراجع بحيث لا يمكن لها أن تنتج أفرادا مفكرين ومنتجين او مثقفين مصلحين فتلك المناهج التي يعكف على تأليفها فئة محتكرة للتأليف غير قادرة على إنتاج منهج عصري يواكب المتطلبات والحاجات والتطورات العصرية فالاستفادة المادية هي الهدف الرئيس للتأليف، وفي مراجعة ومتابعة دقيقة للمنهج التربوي نجد انه يركز فقط على تنمية قدرتي الحفظ والاستذكار لدى الطالب مع إهمال باقي القدرات العقلية الأساسية فالمناهج تحولت إلى حشو من المعلومات تدخل إلى رأس الطالب وسرعان ما تخرج حال الانتهاء من الامتحان فمناهج وزارة التربية والتعليم لا تحفز البتة على البحث والاستقصاء والتفكير والتحليل والتركيب ولا يمكن أن تخلق حالة عصف ذهني وتشويق لدى الطالب وباقي المهارات و القدرات العقلية كالتحليل والتركيب يتم إهمالها فالطالب يعيش معاناة الحفظ والاستذكار واسترجاع المعلومات دون أن يتعلم ويتقن مهارات التفكير التي تجعل منه إنسانا مفكرا مبدعا ومحللا ناقدا ومنتجا للمعرفة .. فإصلاح التعليم يجب أن يقدم كمشروع موسع تضع خطوطه العريضة الحكومة بالاشتراك مع المثقفين والمفكرين ومنظمات المجتمع المدني والعلماء وفئات المعلمين المحترفين إضافة إلى الجامعات لكي نصل في النهاية إلى عمل مشترك ومبدع وخلاق صالح للاستهلاك البشري ، فمن العيب والعار أن نجد سيلا من الأخطاء اللغوية والمعرفية والعلمية في مناهج الصفوف الدنيا التي لا تعبر إلا عن المستوى المتدني والجامد لمنتجيها، ومن العيب أن نجد المعلومات التاريخية تسرد بطريقة جامدة وبطريقة النقاط بحيث لا يستوعب الطالب سوى أن يحفظ هذه النقاط استعدادا للامتحان، يضاف نقطة مهمة الا وهي الزخم في المادة العلمية وكثرة الكتب التي بدون معنى والتي تسبب لأطفالنا اعاقة خلقية مع مرور الزمن..

هذا المشروع الإصلاحي ينبغي أن يتخذ من المدارس التربوية والفكرية الحديثة منطلقا رئيسا ويأخذ على عاتقه تحسين صورة وطبيعة المناهج بحيث تتناسب مع المستوى العقلي للطالب في مراحله العمرية المختلفة إضافة إلى انه يجب إعادة النظر في طريقة تدريس اللغات الأجنبية والتركيز على التقنيات والمناهج الحديثة والمختبرات السمعية فكثيرا ما نرى طلابنا قد وصلوا إلى التوجيهي وهم لا يستطيعون أن يركبوا جملة مفيدة في اللغة أو لا يستطيعون إدارة محادثة بسيطة أو مناقشة خفيفة، كما أن المناهج العلمية تكاد تكون نظرية تجريدية بحتة غير مقترنة بالتجربة والمختبر والممارسة العملية لافتقار المدارس الى مختبرات حديثة ومواد وتقنيات ولا ننسى بان إعادة النظر في مناهج اللغات مهم جدا وعلى رأسها مناهج اللغة العربية التي أصبحت في وضع من التراجع والجمود والتنفير لا تحسد عليه،كما يجب إعادة النظر في امتحان التوجيهي الذي تسبب على مدار عقود طويلة بخلق حالة من القلق والخوف والاكتئاب لدى آلاف الطلبة الذين يشكل لهم هذا الامتحان كابوسا لا يتخلصون منه بسهولة فلماذا لا ننظر إلى تجارب الدول المتقدمة التي تسهل الوسائل والأساليب التربوية وتوفر مصادر المعرفة الإنسانية، كما يجب إدراج منهج الفلسفة وعلم النفس وطرق التفكير وتحفيز العقل الإنساني والمنطق بأسلوب مبسط وهذا ما تتبعه كثير من الدول المتقدمة وحتى الدول العربية الأفريقية منها، فمن الأفضل لنا أن نخرج عقولا مفكرة تبحث عن الحلول لا عقولا مقلدة جامدة تعيش في الماضي وتخاف من الحاضر والمستقبل، كما ينبغي التركيز على قضايا المرأة وحقوقها ودورها في المجتمع والتركيز مطلوب أيضا في قضايا الصحة الجنسية بالشكل الذي يراعي العلم والطب ومتطلباته وهذا الأمر يكاد يكون مفقودا في منهاجنا باعتباره أمرا محرما..

ونعود مرة أخرى إلى القول بان إصلاح التعليم هو جزء مهم من إصلاح المجتمع ، كما ينبغي النظر باهتمام إلى إعادة النظر من قبل السلطة التشريعية بالقوانين الناظمة للحياة العلمية وللسلطة التي تتحكم بالمعلم فينبغي تأسيس اتحاد أو هيئة من شانها أن تحمي المعلم من التسلط البيروقراطي ومن تحكم الإدارات المتعسفة ، فتلك الهيئة هي جزء من السيرورة الديمقراطية التي تتشكل في مؤسسات الدولة وهذه الهيئة تصاغ لها قوانين من شانها تعزيز وضع المعلم وتحسين مستوى معيشته وحماية العملية التربوية ،كما ينظر بعين الاعتبار إلى الانفتاح على الثقافات العالمية وخصوصا الثقافات الحوارية وثقافة احترام حقوق الإنسان واحترام الرأي الآخر وقضايا التنمية والتثقيف بالقيم العصرية وحوار الشعوب والتي تكاد تكون مفقودة في مناهجنا..


إصلاح التعليم إصلاح مجتمع.. فمن أين نبدأ.. ؟ ::: جريدة التربية jarida-tarbiya.blogspot.com
الكاتب : منير مزياني


إرسال تعليق

0 تعليقات