المقر التاريخي ل ’’أوطم‘‘.. دار أنجبت رجال النظام ومعارضيه

المقر التاريخي ل ’’أوطم‘‘.. دار أنجبت رجال النظام ومعارضيه
جريدة التربية ::: المقر التاريخي ل ’’أوطم‘‘.. دار أنجبت رجال النظام ومعارضيه
جريدة التربية

اليوم 24 - عبد الحق بلشكر
بتاريخ الخميس 05 يناير 2017

المقر التاريخي ل ’’أوطم‘‘.. دار أنجبت رجال النظام ومعارضيه..

بعدما طواه النسيان، عاد المقر المركزي للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، الكائن ب 23 زنقة أبي شعيب الدكالي (Lavoisier سابقا) بحي الليمون بالرباط، إلى الواجهة. بعد حكم المحكمة الابتدائية في 28 دجنبر 2016 بإفراغه وإعادته إلى وزارة الشباب والرياضة، فتح المقر أبوابه لأول مرة لعقد ندوة صحافية لفاعلين حقوقيين جاؤوا للدفاع عن ذاكرة هذا المكان. "أخبار اليوم" عادت إلى جزء من تاريخ هذه البناية لتروي بعض القصص التي احتضنتها جدرانها منذ نهاية الخمسينات، على لسان شخصيات بارزة تخرجت من مدرسة "أوطم".

في شارع أبي شعبي الدكالي، بحي الليمون، غير بعيد عن منزل رئيس الحكومة، يوجد المقر التاريخي لأوطم.. المكان عبارة عن فيلا واسعة، تتضمن مكاتب مهترئة آيلة للسقوط وساحة فسيحة يتوسطها تمثالان طويلان، ومنزلان بسيطان في الجوار لحارسين.. هكذا بدا المقر البالغ مساحته 1500 متر مربع، الذي احتضن المنظمة منذ 1959، في فترة كان الحسن الثاني رئيسا شرفيا لها.

التمثالان لازالا شاهدين على الأحداث التي عاشها المقر، لن القليلين من يعرفون قصتهما. حسب رواية كل من حميد برادة وفتح الله ولعلو ل"أخبار اليوم"، فإن الأمر يتعلق بثلاثة تماثيل، (يظهر أن أحدهما اختفى)، تعود قصتهم إلى سنة 1958، عندما سافر ثلاثة ممثلين للاتحاد الوطني لطلبة المغرب إلى الصين للمشاركة في مؤتمر الاتحاد العالمي للطلاب، لكن الطائرة التي نقلتهم سقطت فلقوا حتفهم، فخيم جو من الحزن على مقر الاتحاد. هؤلاء الثلاثة هم: الجعيدي (شقيق العربي الجعيدي)، وشخص يدعى مزوار، وآخر يدعى الشرقاوي. وفاتهم خيمت على مناضلي الاتحاد فقرروا تخليد ذكراهم.

كان بجوار مقر الاتحاد بشارع لافوازيي سابقا (أبو شعيب الدكالي حاليا)، بحي الليمون، يقطن النحات مولاي أحمد الإدريسي، فطلب منه مسؤولو الاتحاد نحت ثلاثة تماثيل لهؤلاء الطلبة لتخليد ذكراهم، وقد وضعت هذه التماثيل وسط ساحة المقر، لتبقى شاهدة على تلك المأساة.

حميد برادة قال ل"أخبار اليوم" إن عمره كان لا يتعدى 18 سنة عندما وقعت مأساة الشباب الثلاثة، ويذكر أن الاتحاد توصل باستدعاء للحضور إلى لقاء آخر في الصين بعد الحادث، فرفض الجميع السفر خوفا من أن تسقط الطائرة من جديد، يقول "قررت حينها وحدي أن أسافر إلى الصين وعمري 18 سنة وكان أول سفر لي خارج المغرب".

برادة زار المقر بحي الليمون قبل 15 سنة مضت والتقى حارسه "با عبد الله"، وأخذ صورة معه، وانتبه إلى أن التماثيل لازالت في مكانها. يقول "اقترحت على المهدي قطبي، مدير مؤسسة المتاحف، أن يأخذ هذه التماثيل ويحافظ عليها ا لتكون متاحة للزيارة في متحف ما بالرباط، لكنه لم يتلق ردا.

يروي محمد فرحان، الحارس الحالي للمقر، أن علال سي ناصر، المستشار الملكي السابق، حضر مرة إلى المقر، وطلب أن يأخذ التماثيل إلى مدرسة له في حي الرياض، لكن "رفضنا طلبه"، يقول فرحان، لأننا "مؤتمنون على تراث الاتحاد الوطني لطلبة المغرب".

هناك العديد من القصص التي ترويها جدران هذا المقر. فعندما اقترح الحسن الثاني أول دستور سنة 1962 للاستفتاء، كان الاتحاد من أوائل المعارضين له، ودعا إلى مقاطعته، فتقرر عقد تجمع داخل المقر ضد الدستور، ما أغضب السلطة فقام يوسف بلعباس، وزير التربية الوطنية، باستدعاء قيادات الاتحاد عمر الفاسي، محمد الحلوي، وحميد برادة، وقال لهم "ليس لكم الحق في تنظيم تجمع ضد الدستور"، خاصة أن التجمع عقد ليلة التصويت، وكان الوزير يرغب في منع التجمع. يروي برادة أن أحمد الحليمي، (المندوب السامي للتخطيط)، كان شابا وخطيبا مفوها ضمن الطلبة، فطلب منه مسؤولو الاتحاد أن يتولى تناول الكلمة في التجمع لإثارة حماس الطلبة، لكن الحليمي رفض، وقال "لن أحضر أصلا للتجمع"، مقرا بأنه "خائف". فتم تعويضه بعبد العزيز بناني، الذي ما إن شرع في تناول الكلمة حتى تدخل البوليس، وشرع في الضرب. يروي برادة أن "فاطمة المرنيسي رحمها الله كانت حاضرة وهربت مثل كثيرين، لأنه وقع ضرب كبير"، وفي اليوم الموالي، لعب الحليمي دورا كبيرا في صياغة "بلاغات التنديد الموجهة إلى المنظمات الدولية".

المقر يروي أيضا قصة الهروب المثير لحميد برادة. آخر مرة غادر فيها برادة المقر عندما كان رئيسا للاتحاد، كانت إثر ما عرف بمؤامرة 1963، فقد حاصرت قوات من الأمن بقيادة الكوميسير إدريس البصري مقر الاتحاد بحثا عنه. وصل الخبر إلى برادة، فاختبأ، وتمكن بمساعدة حارس المقر "با عبد الله" من الهرب عبر نافذة صغيرة كانت تربط أحد مكاتب المقر بمنزل الحارس. "ألبسني جلبابا وأخرجني من خلف المقر، حيث غادرت عبر شارع النصر ولم أظهر إلا في الجزائر".

بقي برادة مختفيا ثلاثة أشهر في الجزائر إلى أن اندلعت حرب الرمال في نفس السنة، فبلغه خبر الحكم عليه بالإعدام في المغرب. وفي سنة 1966، سافر إلى فرنسا بعد صلح الحسن الثاني مع بومدين، حيث خشي تسليمه أو اختطافه. وفي فرنسا بقي برادة بدون أوراق إلى سنة 1983 في عهد فرانسوا متران، حيث حصل في تلك هذه السنة على أوراق الإقامة في فرنسا.

يحكي برادة أن قصة هربه من المقر أرقت إدريس البصري الذي أصبح وزيرا للداخلية القوي في عهد الحسن الثاني. بعد إعفاء البصري من مهامه بعد تولي محمد السادس الحكم، التقاه برادة في باريس فسأله الأخير "أريد أن أعرف كيف هربت سنة 1963؟ فرد برادة "سأجيبك لكن عليك أولا أن تجيبني عن عدد من الأسئلة حول فترة توليك المسؤولية في الداخلية". بعدما أطلعه برادة على أسئلته، رفض البصري الرد. "قلت له لن أكشف لك إذن عن سر هربي"، فمات البصري دون أن يعرف كيف "تبخر" برادة في ذلك اليوم ولم يظهر إلا وهو في الجزائر.

مقر الاتحاد حمل أيضا بصمات فنانين كبار، مثل الرسام المعروف عبد الله الغرباوي، الذي مات جوعا في باريس. كان الغرباوي مريضا ويأتي إلى المقر لطلب المساعدة، "كان يقول له قيادي الاتحاد محمد الحلوي، "عليك الذهاب للعمل"، فيرد "أنا لا أعمل أنا فنان"، يروي بردة. الاتحاد بدأ يساعد الفنان مقابل تكليفه برسم واجهات المقر. لكن يظهر أن هذه الرسوم والصباغات اختفت الآن.

فتح الله ولعلو، وزير المالية في حكومة عبد الرحمان اليوسفي، ترأس الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ما بين 1964، و1965، وكان قبل ذلك عضوا في اللجنة التنفيذية إلى جانب حميد برادة. يقول ولعلو إن "تاريخ الاتحاد مر بمرحلتين": الأولى تميزت بولادة الاتحاد في ارتباط مع الدولة، وتعاقب عليه كل من عبد الرحمان القادري وإدريس السرغوشني. وفي هذه الفترة التي كان فيها الراحل الحسن الثاني رئيسا شرفيا للمنظمة، حصلت المنظمة على مقرها في شارع لافوازيي في حي الليمون بالرباط. كانت المنظمة حينها ممثلة في عدة مؤسسات، مثل المجلس الوطني الاستشاري، الذي كان يرأسه المهدي بنبركة، كما لعبت دورا في اللجنة الملكية للتعليم، وساهمت في المخطط الخماسي لحكومة عبد الله إبراهيم. لكن بعد سنة 1961، "حصلت القطيعة مع الدولة"، خاصة مع عقد مؤتمر أزرو، الذي انتخب محمد الفاروقي رئيسا. وتشكلت حينها اللجنة التنفيذية من شخصيات مثل محمد الحلوي، (حاليا محامي في الدار البيضاء)، وعبد اللطيف الجواهري، (والي بنك المغرب حاليا)، والطيب بناني، وحميد برادة.

يتذكر ولعلو أن حميد برادة انتخب رئيسا للاتحاد ليخلف الحلوي، قائلا "كنت حينها أصغر أعضاء اللجنة التنفيذية في ظل رئاسة برادة".

بعد هروب برادة إلى الجزائر سنة 1963، أصبح ولعلو رئيسا للاتحاد واستمر ولايتين، (كل ولاية تدوم سنة واحدة)، ثم خلفه عبد اللطيف المنوني، (المستشار الملكي الحالي)، ثم جاءت فترة رئاسة محمد الخصاصي (سفير المغرب السابق في العراق)، ثم بعده الراحل عبد العزيز بناني. بعد هذه الفترة، ستظهر حركة إلى الإمام، و23 مارس، وسيصبح عزيز المنبهي رئيسا للاتحاد، فقررت السلطات منع الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، ولم ترفع عنه المنع إلا سنة 1979. يتذكر ولعلو أنه بعد رفع الحظر "استقبل الراحل الحسن الثاني جميع الرؤساء السابقين للاتحاد، وأعلن رفع المنع". بعد ذلك عاد الاتحاديون والتقدم والاشتراكية للهيمنة على المنظمة، وتم انتخاب محمد بوبكري رئيسا للمنظمة سنة 1981، وهو آخر رئيس للمنظمة. بعد هذا التاريخ "فشلت المنظمة وقتلتها خلافاتها الداخلية"، يقول ولعلو.

غادر ولعلو قيادة المنظمة في يوليوز 1968، وبعد حصوله على الدكتوراه، أصبح أستاذا في الجامعة، فانقطعت صلته بالمقر، ثم خلفه عبد اللطيف المنوني، يقول "أعرف مقر حي الليمون جيدا، وأحتفظ بذكريات كثيرة فيه". مضيفا "المكان اليوم أصبح مجرد ذكريات لأنه لم تعد هناك منظمة، لكن المكان جزء من الذاكرة التاريخية التي يجب حفظها بتحويله إلى متحف للحركة الطلابية وللشباب".

كان مقر الاتحاد في الماضي مدرسة تخرجت منها العديد من الأطر التي اشتغلت سواء إلى جانب الدولة أو في المعارضة، منهم وزراء، وشخصيات في مجالات متعددة. وحسب ولعلو، فإن غياب المنظمة منذ الثمانيات "أفقر البلاد"، لأنها "كانت مدرسة موازية للمجتمع، ومن ولجوها حظوا بتكوين سياسي كبير". ليس هذا فحسب، بل إن الكثير من رؤساء الدول الإفريقية التي كانت ترزح تحت الاستعمار البرتغالي، مثل موزمبيق، وأنغولا، والٍرأس الأخضر، وجدوا في مقر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في حي الليمون، مقرا لهم قبل الاستقلال، "لهذا يعتبر المقر أيضا جزءا من الذاكرة الإفريقية"، كما احتضن المقر اجتماعات كونفدرالية طلبة المغرب العربي في منتصف الستينات.

من ضمن الشخصيات التي تولت مسؤوليات في أجهزة الاتحاد، هناك عبد الرزاق المعداني، الذي عرف مقر حي الليمون منذ كان تلميذا في ثانوية محمد الخامس بباب شالة بالرباط. بسبب إضراب في هذه الثانوية نهاية الستينات ضد مدير المدرسة، أمر وزير الداخلية رضى كديرة، بأن يتدخل الأمن بالقوة، فتدخل قادة الاتحاد الوطني، محمد الحلوي، محمد بوزبع، والفاروقي، من أجل الوساطة لمنع التدخل الأمني، لكن وقع التدخل، فأصبح ملاذ المعداني وبقية التلاميذ هو مقر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في حي الليمون. في 1963، ولج المعداني الجامعة فأصبح عضوا في الاتحاد وأصبح كاتبا عاما لتعاضدية كلية الحقوق بالرباط، يقول "أتذكر الأجواء التي عاشها الاتحاد بعد اختطاف المهدي بن بركة سنة 1965، حيث تحول المقر إلى مكان للتجمع والتنديد بالاختطاف"، كما يتذكر العديد من المحاضرات التي كانت تلقى في المقر من طرف عدد من القادة مثل علال الفاسي الذي كان حينها وزيرا للأوقاف.

يقول المعداني "مرة تدخل الأمن في المقر وطرد الطلبة وقطع خطوط الهاتف"، فلجؤوا إلى مقر الاتحاد المغربي للشغل، في شارع جان جوريس القريب، ثم تم طردهم أيضا من مقر النقابة العمالية. ولإيجاد حل لخط الهاتف، قام المعداني بإدخال خط إلى بيته باسمه لكي يستعمله الاتحاد. يعلق المعداني على الجدل الدائر اليوم حول المقر قائلا، "هذا مقر تاريخي يجب أن يبقى مكانا لحفظ الذاكرة ولا يجب طمسه"، مضيفا "يجب أن يكون المقر جزءا من تاريخ الطلبة وتاريخ المغرب".

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.

إرسال تعليق

0 تعليقات